.[عِدّةُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ مَكّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ مَكّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةَ آلَافٍ. مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ سَبْعُ مِئَةٍ. وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ أَلْفٌ؟ وَمِنْ بَنِي غِفَار ٍ أَرْبَعُ مِئَةٍ وَمِنْ أَسْلَمَ أَرْبَعُ مِئَةٍ؟ وَمِنْ مُزَيْنَةَ أَلْفٌ وَثَلَاثَةُ نَفَرٍ وَسَائِرُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَحُلَفَائِهِمْ وَطَوَائِفُ الْعَرَبِ مِنْ تَمِيمٍ وَقَيْسٍ وَأَسَدٍ.
.[شِعْرُ حَسّانَ فِي فَتْحِ مَكّةَ]:
وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ قَوْلُ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ:
عَفَتْ ذَاتُ الْأَصَابِعِ فَالْجِوَاءُ ** إلَى عَذْرَاءَ مَنْزِلُهَا خَلَاءُدِيَارٌ مِنْ بَنِي الْحَسْحَاسِ قَفْرٌ ** تُعَفّيهَا الرّوَامِسُ وَالسّمَاءُوَكَانَتْ لَا يَزَالُ بِهَا أَنِيسٌ ** خِلَالَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُفَدَعْ هَذَا، وَلَكِنْ مَنْ لِطَيْفِ ** يُؤَرّقُنِي إذَا ذَهَبَ الْعِشَاءُلِشَعْثَاءَ الّتِي قَدْ تَيّمَتْهُ ** فَلَيَسَ لِقَلْبِهِ مِنْهَا شِفَاءُكَأَنّ خَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ** يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُإذَا مَا الْأَشْرِبَاتُ ذُكِرْنَ يَوْمًا ** فَهُنّ لِطَيّبِ الرّاحِ الْفِدَاءُن وَلّيهَا الْمَلَامَةَ إنْ أَلَمْنَا ** إذَا مَا كَانَ مَغْثٌ أَوْ لِحَاءُوَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا ** وَأُسْدًا مَا يُنَهْنِهُنَا اللّقَاءُعَدِمْنَا خَيْلَنَا إنْ لَمْ تَرَوْهَا ** تُثِيرُ النّقْعَ مَوْعِدُهَا كَدَاءُيُنَازِعْنَ الْأَعِنّةَ مُصْغِيَاتٍ ** عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظّمَاءُتَظَلّ، جِيَادُنَا مُتَمَطّرَاتٍ ** يُلَطّمُهُنّ بِالْخُمُرِ النّسَاءُفَإِمّا تُعْرِضُوا عَنّا اعْتَمَرْنَا ** وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُوَإِلّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ يَوْمٍ ** يُعِينُ اللّهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُوَجِبْرِيلُ رَسُولُ اللّهِ فِينَا ** وَرُوحُ الْقُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُوَقَالَ اللّهُ قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا ** يَقُولُ الْحَقّ إنْ نَفَعَ الْبَلَاءُشَهِدْتُ بِهِ فَقُومُوا صَدّقُوهُ ** فَقُلْتُمْ لَا نَقُومُ وَلَا نَشَاءُوَقَالَ اللّهُ قَدْ سَيّرْتُ جُنْدًا ** هُمْ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللّقَاءُلَنَا فِي كُلّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدّ ** سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُفَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا ** وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدّمَاءُأَلَا أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي ** مُغَلْغَلَةً فَقَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُبِأَنّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْكَ عَبْدًا ** وَعَبْدُ الدّارِ سَادَتُهَا الْإِمَاءُهَجَوْتَ مُحَمّدًا وَأَجَبْتُ ** عَنْهُ وَعِنْدَ اللّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُأَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ ** فَشَرّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُهَجَوْتَ مُبَارَكًا بَرّا حَنِيفًا ** أَمِينَ اللّهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُأَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللّهِ مِنْكُمْ ** وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ؟فَإِنّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ** لِعِرْضِ مُحَمّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُلِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ ** وَبَحْرِي لَا تُكَدّرُهُ الدّلَاءُقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَهَا حَسّانُ يَوْمَ الْفَتْحِ. وَيُرْوَى: لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَتْبَ فِيهِ وَبَلَغَنِي عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ لَمّا رَأَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّسَاءَ يَلْطِمْنَ الْخَيْلَ بِالْخُمُرِ تَبَسّمَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ.
.[شِعْرُ أَنَسِ بْنِ زُنَيْمٍ فِي الِاعْتِذَارِ إلَى الرّسُولِ عَمّا قَالَ ابْنُ سَالِمٍ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَنَسُ بْنُ زُنَيْمٍ الدّيلِيّ يَعْتَذِرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِمّا كَانَ قَالَ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيّ:
أَأَنْتَ الّذِي تُهْدَى مَعَدّ بِأَمْرِهِ ** بَلْ اللّهُ يَهْدِيهِمْ وَقَالَ لَك اشْهَدْوَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ** أَبَرّ وَأَوْفَى ذِمّةً مِنُ مُحَمّدِأَحَثّ عَلَى خَيْرٍ وَأَسْبَغَ نَائِلًا ** إذَا رَاحَ كَالسّيْفِ الصّقِيلِ الْمُهَنّدِوَأَكْسَى لِبُرْدِ الْخَالِ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ ** وَأَعْطَى لِرَأْسِ السّابِقِ الْمُتَجَرّدِتَعَلّمْ رَسُولَ اللّهِ أَنّكَ مُدْرِكِي ** وَأَنّ وَعِيدًا مِنْك كَالْأَخْذِ بِالْيَدِتَعَلّمْ رَسُولَ اللّهِ أَنّكَ قَادِرٌ ** عَلَى كُلّ صِرْمٍ مُتْهِمِينَ وَمُنْجِدِتَعَلّمْ بِأَنّ الرّكْبَ رَكْبُ عُوَيْمِرٍ ** هُمْ الْكَاذِبُونَ الْمُخْلِفُو كُلّ مَوْعِدِونَبّوْا رَسُولَ اللّهِ أَنّي هَجَوْتُهُ ** فَلَا حَمَلَتْ سَوْطِي إلَيّ إذَنْ يَدِيسِوَى أَنّنِي قَدْ قُلْتُ وَيْلُ امّ فِتْيَةٍ ** أُصِيبُوا بِنَحْسٍ لَا بِطَلْقٍ وَأَسْعُدِأَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ ** كِفَاءً فَعَزّتْ عَبْرَتِي وَتَبَلّدِيفَإِنّكَ قَدْ أَخَفَرْتَ إنْ كُنْتَ سَاعِيًا ** بِعَبْدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَابْنَةِ مَهْوِدِذُوَيْبٌ وَكُلْثُومٌ وَسَلْمَى تَتَابَعُوا ** جَمِيعًا فَإِلّا تَدْمَعْ الْعَيْنُ اكْمَدْوَسَلْمَى وَسَلْمَى لَيْسَ حَيّ كَمِثْلِهِ ** وَإِخْوَتِهِ وَهَلْ مُلُوكٌ كَأَعْبُدِ؟فَإِنّي لَا دِينًا فَتَقْتُ وَلَا دَمًا ** هَرَقْتُ تَبَيّنْ عَالِمَ الْحَقّ وَاقْصِدْ
.[شِعْرُ بُدَيْلٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ زُنَيْمٍ]:
فَأَجَابَهُ بُدَيْلُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ أُمّ أَصْرَمَ، فَقَالَ:
بَكَى أَنَسٌ رَزْنًا فَأَعْوَلَهُ اُلْبُكَا ** فَأَلّا عَدِيّا إذْ تُطَلّ وَتُبْعَدُبَكَيْتَ أَبَا عَبْسٍ لِقُرْبِ دِمَائِهَا ** فَتُعْذِرَ إذْ لَا يُوقِدُ الْحَرْبَ مُوقِدُأَصَابَهُمْ يَوْمَ الْخَنَادِمِ فِتْيَةٌ ** كِرَامٌ فَسَلْ مِنْهُمْ نُفَيْلٌ وَمَعْبَدُهُنَالِكَ إنْ تُسْفَحْ دُمُوعُك لَا تُلَمْ ** عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ تَدْمَعْ الْعَيْنُ فَاكْمَدُواقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
.[شِعْرُ بُجَيْرٍ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى فِي يَوْمِ الْفَتْحِ:
نَفَى أَهْلَ الْحَبَلّقِ كُلّ فَجّ ** مُزَيْنَةُ غُدْوَةً وَبَنُو خُفَافِضَرَبْنَاهُمْ بِمَكّةَ يَوْمَ فَتْحِ النّ ** بِيّ الْخَيْرِ بِالْبِيضِ الْخِفَافِصَبَحْنَاهُمْ بِسَبْعٍ مِنْ سُلَيْمٍ ** وَأَلْفٍ مِنْ بَنِي عُثْمَانَ وَافِنَطَا أَكْتَافَهُمْ ضَرْبًا وَطَعْنًا ** وَرَشْقًا بِالْمُرَيّشَةِ اللّطَافِتَرَى بَيْنَ الصّفُوفِ لَهَا حَفِيفًا ** كَمَا انْصَاعَ الْفُوَاقُ مِنْ الرّصَافِفَرُحْنَا وَالْجِيَادُ تَجُولُ فِيهِمْ ** بِأَرْمَاحٍ مُقَوّمَةِ الثّقَافِفَأُبْنَا غَانِمِينَ بِمَا اشْتَهَيْنَا ** وَآبُوا نَادِمِينَ عَلَى الْخِلَافِوَأَعْطَيْنَا رَسُولَ اللّهِ مِنّا ** مَوَاثِقَنَا عَلَى حُسْنِ التّصَافِيوَقَدْ سَمِعُوا مَقَالَتَنَا فَهَمّوا ** غَدَاةَ الرّوْعِ مِنّا بِانْصِرَافِ
.[شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي فَتْحِ مَكّةَ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ فِي فَتْحِ مَكّةَ:
مِنّا بِمَكّةَ يَوْمَ فَتْحِ مُحَمّدٍ ** أَلْفٌ تَسِيلُ بِهِ الْبِطَاحُ مُسَوّمُنَصَرُوا الرّسُولَ وَشَاهَدُوا أَيّامَهُ ** وَشِعَارُهُمْ يَوْمَ اللّقَاءِ مُقَدّمُفِي مَنْزِلٍ ثَبَتَتْ بِهِ أَقْدَامُهُمْ ** ضَنْكٍ كَأَنّ الْهَامَ فِيهِ الْحَنْتَمُجَرّتْ سَنَابِكَهَا بِنَجْدٍ قَبْلَهَا ** حَتّى اسْتَقَادَ لَهَا الْحِجَازُ الْأَدْهَمُاللّهُ مَكّنَهُ لَهُ وَأَذَلّهُ ** حُكْمُ السّيُوفِ لَنَا وَجَدّ مِزْحَمُعَوْدُ الرّيَاسَةِ شَامِخٌ عِرْنِينُهُ ** مُتَطَلّعٌ ثُغَرَ الْمَكَارِمِ خِضْرِمُ
.إسْلَامُ عَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ إسْلَامُ عَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فِيمَا حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ وَحَدِيثُهُ أَنّهُ كَانَ لِأَبِيهِ مِرْدَاسٍ وَثَنٌ يَعْبُدُهُ وَهُوَ حَجَرٌ كَانَ يُقَالُ لَهُ ضِمَارِ، فَلَمّا حَضَرَ مِرْدَاسٌ قَالَ لِعَبّاسِ أَيْ بُنَيّ اُعْبُدْ ضِمَارِ فَإِنّهُ يَنْفَعُك وَيَضُرّك، فَبَيْنَا عَبّاسٌ يَوْمًا عِنْدَ ضِمَارِ، إذْ سَمِعَ مِنْ جَوْفِ ضِمَارِ مُنَادِيًا يَقُولُ:
قُلْ لِلْقَبَائِلِ مِنْ سُلَيْمٍ كُلّهَا ** أَوْدَى ضِمَارِ وَعَاشَ أَهْلُ الْمَسْجِدِإنّ الّذِي وَرِثَ النّبُوّةَ وَالْهُدَى ** بَعْدَ ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ قُرَيْشٍ مُهْتَدِيأَوْدَى ضِمَارِ وَكَانَ يُعْبَدُ مَرّةً ** قَبْلَ الْكِتَابِ إلَى النّبِيّ مُحَمّدِفَحَرّقَ عَبّاسٌ ضِمَارِ، وَلَحِقَ بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ.
.[شِعْرُ جَعْدَةَ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ جَعْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْخُزَاعِيّ يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ:
أَكَعْبَ بْنُ عَمْرٍو دَعْوَةً غَيْرَ بَاطِلِ ** لِحَيْنٍ لَهُ يَوْمَ الْحَدِيدِ مُتَاحِأُتِيحَتْ لَهُ مِنْ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ ** لِتَقْتُلَهُ لَيْلًا بِغَيْرِ سِلَاحِوَنَحْنُ الْأُلَى سَدّتْ غَزَالَ خُيُولُنَا ** وَلِفْتًا سَدَدْنَاهُ وَفَجّ طِلَاحِخَطَرْنَا وَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ بِجَحْفَلٍ ** ذَوِي عَضُدٍ مِنْ خَيْلِنَا وَرِمَاحِ
.[شِعْرُ بُجَيْدٍ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ]:
وَقَالَ بُجَيْدُ بْنُ عِمْرَانَ الْخُزَاعِيّ:
وَقَدْ أَنْشَأَ اللّهُ السّحَابَ بِنَصْرِنَا ** رُكَامَ صِحَابِ الْهَيْدَبِ الْمُتَرَاكِبِوَهِجْرَتُنَا فِي أَرْضِنَا عِنْدَنَا بِهَا ** كِتَابٌ أَتَى مِنْ خَيْرِ مُمْلٍ وَكَاتِبِوَمِنْ أَجْلِنَا حَلّتْ بِمَكّةَ حُرْمَةٌ ** لِنُدْرِكَ ثَأْرًا بِالسّيُوفِ الْقَوَاضِبِ
.مَسِيرُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بَعْدَ الْفَتْحِ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ مِنْ كِنَانَةَ وَمَسِيرُ عَلِيّ لِتَلَافِي خَطَأِ خَالِد:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا حَوْلَ مَكّةَ السّرَايَا تَدْعُو إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقِتَالِ وَكَانَ مِمّنْ بَعَثَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ بِأَسْفَلِ تِهَامَةَ دَاعِيًا، وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا فَوَطِئَ بَنِي جَذِيمَةَ. فَأَصَابَ مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ فِي ذَلِكَ:
فَإِنْ تَكُ قَدْ أَمّرْت فِي الْقَوْمِ خَالِدًا ** وَقَدّمْته فَإِنّهُ قَدْ تَقَدّمَابِجُنْدِ هَدَاهُ اللّهُ أَنْتَ أَمِيرُهُ ** نُصِيبُ بِهِ فِي الْحَقّ مَنْ كَانَ أَظْلَمَاقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي حَدِيثِ يَوْمِ حُنَيْنٍ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ فِي مَوْضِعِهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ، قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ حِينَ مَكّةَ دَاعِيًا، وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا، وَمَعَهُ قَبَائِلُ مِنْ الْعَرَبِ: سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمُدْلِجُ بْنُ مُرّةَ فَوَطِئُوا بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةِ بْنِ كِنَانَةَ فَلَمّا رَآهُ الْقَوْمُ أَخَذُوا السّلَاحَ فَقَالَ خَالِدٌ ضَعُوا السّلَاحَ فَإِنّ النّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ قَالَ لَمّا أَمَرَنَا خَالِدٌ أَنْ نَضَعَ السّلَاحَ قَالَ رَجُلٌ مِنّا يُقَالُ لَهُ جَحْدَمٌ وَيْلَكُمْ يَا بَنِي جَذِيمَةَ إنّهُ خَالِدٌ وَاَللّهِ مَا بَعْدَ وَضْعِ السّلَاحِ إلّا الْإِسَارُ وَمَا بَعْدَ الْإِسَارِ إلّا ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ وَاَللّهِ لَا أَضَعُ سِلَاحِي أَبَدًا. قَالَ فَأَخَذَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ فَقَالُوا: يَا جَحْدَمُ أَتُرِيدُ أَنْ تَسْفِكَ دِمَاءَنَا؟ إنّ النّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا وَوَضَعُوا السّلَاحَ وَوُضِعَتْ الْحَرْبُ وَأَمِنَ النّاسُ. فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتّى نَزَعُوا سِلَاحَهُ وَوَضَعَ الْقَوْمُ السّلَاحَ لِقَوْلِ خَالِدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ، قَالَ فَلَمّا وَضَعُوا السّلَاحَ أَمَرَ بِهِمْ خَالِدٌ عِنْدَ ذَلِكَ فَكُتِفُوا، ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى السّيْفِ فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ فَلَمّا انْتَهَى الْخَبَرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السّمَاءِ ثُمّ قَالَ اللّهُمّ إنّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيد.
.[غَضَبُ الرّسُولِ مِمّا فَعَلَ خَالِدٌ وَإِرْسَالُهُ عَلِيّا]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّهُ حُدّثَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَحْمُودِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَأَيْتُ كَأَنّي لَقِمْت لُقْمَةً مِنْ حَيْسٍ فَالْتَذَذْتُ طَعْمَهَا، فَاعْتَرَضَ فِي حَلْقِي مِنْهَا شَيْءٌ حِينَ ابْتَلَعْتهَا، فَأَدْخَلَ عَلِيّ يَدَهُ فَنَزَعَهُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذِهِ سَرِيّةٌ مِنْ سَرَايَاك تَبْعَثُهَا، فَيَأْتِيك مِنْهَا بَعْضُ مَا تُحِبّ، وَيَكُونُ فِي بَعْضِهَا اعْتِرَاضٌ فَتَبْعَثُ عَلِيّا فَيُسَهّلُهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَنّهُ انْفَلَتَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ؟ فَقَالَ نَعَمْ قَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَبْيَضُ رَبْعَةٌ فَنَهَمَهُ خَالِدٌ فَسَكَتَ عَنْهُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ طَوِيلٌ مُضْطَرِبٌ فَرَاجَعَهُ فَاشْتَدّتْ مُرَاجَعَتُهُمَا؛ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: أَمّا الْأَوّلُ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَابْنِي عَبْدُ اللّهِ وَأَمّا الْآخَرُ فَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ قَالَ ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا عَلِيّ، اُخْرُجْ إلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَانْظُرْ فِي أَمْرِهِمْ وَاجْعَلْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ تَحْتَ قَدَمَيْك. فَخَرَجَ عَلِيّ حَتّى جَاءَهُمْ وَمَعَهُ مَالٌ قَدْ بَعَثَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَدَى لَهُمْ الدّمَاءَ وَمَا أُصِيبَ لَهُمْ مِنْ الْأَمْوَالِ حَتّى إنّهُ لَيَدِي لَهُمْ مِيلَغَةَ الْكَلْبِ حَتّى إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ وَلَا مَالٍ إلّا وَدَاهُ بَقِيَتْ مَعَهُ بَقِيّةٌ مِنْ الْمَالِ فَقَالَ لَهُمْ عَلِيّ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْهُمْ هَلْ بَقِيَ لَكُمْ بَقِيّةٌ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ لَمْ يُودَ لَكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ فَإِنّي أُعْطِيكُمْ هَذِهِ الْبَقِيّةَ مِنْ هَذَا الْمَالِ احْتِيَاطًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِمّا يَعْلَمُ وَلَا تَعْلَمُونَ فَفَعَلَ. ثُمّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ: فَقَالَ أَصَبْت وَأَحْسَنْت قَالَ ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا شَاهِرًا يَدَيْهِ حَتّى إنّهُ لَيُرَى مِمّا تَحْتَ مَنْكِبَيْهِ يَقُولُ اللّهُمّ إنّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَلَاثَ مَرّات.
.[مَعْذِرَةُ خَالِدٍ فِي قِتَالِ الْقَوْمِ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ يَعْذِرُ خَالِدًا إنّهُ قَالَ مَا قَاتَلْت حَتّى أَمَرَنِي بِذَلِك عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُذَافَةَ السّهْمِيّ، وَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَك أَنْ تُقَاتِلَهُمْ لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ: لَمّا أَتَاهُمْ خَالِدٌ قَالُوا: صَبَأْنَا صَبَأْنَا.
.[مَا كَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَبَيْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَزَجْرُ الرّسُولِ لِخَالِدِ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ جَحْدَمٌ قَالَ لَهُمْ حِينَ وَضَعُوا السّلَاحَ وَرَأَى مَا يَصْنَعُ خَالِدٌ بِبَنِي جَذِيمَةَ يَا بَنِي جَذِيمَةَ ضَاعَ الضّرْبُ، قَدْ كُنْت حَذّرْتُكُمْ مَا وَقَعْتُمْ فِيهِ قَدْ كَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَبَيْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فِيمَا بَلَغَنِي، كَلَامٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: عَمِلْت بِأَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ إنّمَا ثَأَرْت بِأَبِيك. فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ كَذَبْت، قَدْ قَتَلْتُ قَاتِلَ أَبِي، وَلَكِنّك ثَأَرْتَ بِعَمّك الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حَتّى كَانَ بَيْنَهُمَا شَرّ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَهْلًا يَا خَالِدُ دَعْ عَنْك أَصْحَابِي، فَوَاَللّهِ لَوْ كَانَ لَك أُحُدٌ ذَهَبًا ثُمّ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللّهِ مَا أَدْرَكَتْ غَدْوَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي وَلَا رَوْحَتَهُ.
.[مَا كَانَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَنِيّ جَذِيمَةَ مِنْ اسْتِعْدَادٍ لِلْحَرْبِ ثُمّ صُلْحٍ]:
وَكَانَ الْفَاكِهُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَعَوْفُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ وَعَفّانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ قَدْ خَرَجُوا تُجّارًا إلَى الْيَمَنِ، وَمَعَ عَفّانَ ابْنُهُ عُثْمَانُ وَمَعَ عَوْفٍ ابْنُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَلَمّا أَقْبَلُوا حَمَلُوا مَالَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرٍ كَانَ هَلَكَ بِالْيَمَنِ، إلَى وَرَثَتِهِ فَادّعَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ خَالِدُ بْنُ هِشَامٍ وَلَقِيَهُمْ بِأَرْضِ بَنِي جَذِيمَةَ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إلَى أَهْلِ الْمَيّتِ فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَقَاتَلَهُمْ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى الْمَالِ لِيَأْخُذُوهُ وَقَاتَلُوهُ فَقُتِلَ عَوْفُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ وَالْفَاكِهُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَنَجَا عَفّانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَابْنُهُ عُثْمَانُ وَأَصَابُوا مَالَ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَمَالَ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ فَانْطَلَقُوا بِهِ وَقَتَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ خَالِدَ بْنَ هِشَامٍ قَاتِلَ أَبِيهِ فَهَمّتْ قُرَيْشٌ بِغَزْوِ بَنِي جَذِيمَةَ فَقَالَتْ بَنُو جَذِيمَةَ: مَا كَانَ مُصَابُ أَصْحَابِكُمْ عَنْ مَلَإِ مِنّا، إنّمَا عَدَا كَانَ لَكُمْ قِبَلَنَا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ فَقَبِلَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ وَوَضَعُوا الْحَرْبَ.
.[شِعْرُ سَلْمَى فِيمَا بَيْنَ جَذِيمَةَ وَقُرَيْشٍ]:
وَقَالَ قَائِلٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا سَلْمَى:
وَلَوْلَا مَقَالُ الْقَوْمِ لِلْقَوْمِ أَسْلِمُوا ** لَلَاقَتْ سُلَيْمٌ يَوْمَ ذَلِكَ نَاطِحَالَمَاصَعَهُمْ بُسْرٌ وَأَصْحَابُ جَحْدَمٍ ** وَمُرّةُ حَتّى يَتْرُكُوا الْبَرْكَ نَاضِحَافَكَائِنْ تَرَى يَوْمَ الْغُمَيْصَاءِ مِنْ فَتًى ** أُصِيبَ وَلَمْ يَجْرَحْ وَقَدْ كَانَ جَارِحَاأَلَظّتْ بِخُطّابِ الْأَيَامَى وَطَلّقَتْ ** غَدَاتَئِذٍ مِنْهُنّ مَنْ كَانَ نَاكِحَاقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قوله: بُسْرٌ، وَأَلَظّتْ بِخُطّابِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
.[شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي الرّدّ عَلَى سَلْمَى]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ وَيُقَالُ بَلْ الْجَحّافُ بْنُ حَكِيمٍ السّلَمِيّ:
دَعِي عَنْك تِقْوَال الضّلَالِ كَفَى بِنَا ** لِكَبْشِ الْوَغَى فِي الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ نَاطِحَافَخَالِدُ أَوْلَى بِالتّعَذّرِ مِنْكُمْ ** غَدَاةَ عَلَا نَهْجًا مِنْ الْأَمْرِ وَاضِحَامُعَانًا بِأَمْرِ اللّهِ يُزْجِي إلَيْكُمْ ** سَوَانِحَ لَا تَكْبُو لَهُ وَبَوَارِحَانَعَوْا مَالِكًا بِالسّهْلِ لَمّا هَبَطْنَهُ ** عَوَابِسَ فِي كَابِي الْغُبَارِ كَوَالِحَافَإِنْ نَكُ أَثْكَلْنَاكِ سَلْمَى فَمَالِكٌ ** تَرَكْتُمْ عَلَيْهِ نَائِحَاتٍ وَنَائِحَا
.[شِعْرُ الْجَحّافِ فِي الرّدّ عَلَى سَلْمَى]:
وَقَالَ الْجَحّافُ بْنُ حَكِيمٍ السّلَمِيّ:
شَهِدْنَ مَعَ النّبِيّ مُسَوّمَاتٍ ** حُنَيْنًا وَهْيَ دَامِيَةُ الْكِلَامِوَغَزْوَةَ خَالِدٍ شَهِدَتْ وَجَرّتْ ** سَنَابِكَهُنّ بِالْبَلَدِ الْحَرَامِنُعَرّضُ لِلطّعَانِ إذَا الْتَقَيْنَا ** وُجُوهًا لَا تُعَرّضُ لِلّطَامِوَلَسْتُ بِخَالِعٍ عَنّي ثِيَابِي ** إذَا هَزّ الْكُمَاةُ وَلَا أُرَامِيوَلَكِنّي يَجُولُ الْمُهْرُ تَحْتِي ** إلَى الْعَلَوَاتِ بِالْعَضْبِ الْحُسَامِ
.[حَدِيثُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْفَتَى الْجَذْمِيّ يَوْمَ الْفَتْحِ]:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ قَالَ كُنْت يَوْمَئِذٍ فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقَالَ لِي فَتَى مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ وَهُوَ فِي سِنّي، وَقَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِرُمّةٍ وَنِسْوَةٌ مُجْتَمِعَاتٌ غَيْرَ بَعِيدٍ مِنْهُ يَا فَتَى، فَقُلْت: مَا تَشَاءُ؟ قَالَ هَلْ أَنْتَ آخِذٌ بِهَذِهِ الرّمّةِ فَقَائِدِي إلَى هَؤُلَاءِ النّسْوَةِ حَتّى أَقْضِيَ إلَيْهِنّ حَاجَةً تَمّ تَرُدّنِي بَعْدُ فَتَصْنَعُوا بِي مَا بَدَا لَكُمْ؟ قَالَ قُلْت: وَاَللّهِ لَيَسِيرٌ مَا طَلَبْت. فَأَخَذْت بِرُمّتِهِ فَقُدْته بِهَا، حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِنّ فَقَالَ اسْلَمِي حُبَيْشِ عَلَى نَفَذٍ مِنْ الْعَيْشِ:
أَرَيْتُكِ إذْ طَالَبْتُكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ ** بِحَلْيَةَ أَوْ أَلْفَيْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِأَلَمْ يَكُ أَهْلًا أَنْ يُنَوّلَ عَاشِقٌ ** تَكَلّفَ إدْلَاجَ السّرَى وَالْوَدَائِقِفَلَا ذَنْبَ لِي قَدْ قُلْت إذْ أَهْلُنَا مَعًا ** أَثِيبِي بِوُدّ قَبْلَ إحْدَى الصّفَائِقِأَثِيبِي بِوُدّ قَبْلَ أَنْ تَشْحَطَ النّوَى ** وَيَنْأَى الْأَمِيرُ بِالْحَبِيبِ الْمُفَارِقِفَإِنّي لَا ضَيّعْتُ سِرّ أَمَانَةٍ ** وَلَا رَاقَ عَيْنِي عَنْك بَعْدَك رَائِقُسِوَى أَنّ مَا نَالَ الْعَشِيرَةَ شَاغِلٌ ** عَنْ الْوُدّ إلّا أَنْ يَكُونَ التّوَامُقُقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ الْبَيْتَيْنِ الْآخِرَيْنِ مِنْهَا لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ قَالَ قَالَتْ وَأَنْتَ فَحُيّيت سَبْعًا وَعَشْرَا، وِتْرًا وَثَمَانِيًا تَتْرَى. قَالَ ثُمّ انْصَرَفْتُ بِهِ. فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي أَبُو فِرَاسِ بْنُ أَبِي سُنْبُلَةَ الْأَسْلَمِيّ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْهُمْ عَمّنْ كَانَ حَضَرَهَا مِنْهُمْ قَالُوا: فَقَامَتْ إلَيْهِ حِينَ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ فَأَكَبّتْ عَلَيْهِ فَمَا زَالَتْ تُقَبّلُهُ حَتّى مَاتَتْ عِنْدَهُ.